كـــانت دمنـــات في القرن 19 تتكون من القصبة المخزنية التي كـــانت تحيط بها أسوار قديمة ، ومن أحياء مجاورة أحيط بها سور أحدث من سور القصبة كان أهمها حي أرحبي . ويشهد تاريخ دمنات في القرون السالفة ، وكذا وجود عدد من الفنادق و الأسواق العتيقة بها على ما كان لها من نشاط تجاري مهم في الماضي . سقطت دمنــات طيلة القرون الأخيرة ( قبل القرن 19 ) في تدهور عمراني محقق ، فتعطلت فنادق التجارة ، وظهرت خرائب في مساحات كانت من قبل مبنية و مزدهرة . وقد أعيد تجديد هذه العمارة في عهد محمد بن عبد الرحمــن ، وبلغت أوجها في عهد الحسن الأول ، وتحطمت بعد موته ، واستسلمت لسبات أشبه بالموت طيلة النصف الأول من القرن 20 ، ومن الطبيعي أن هذا التطور انعكاس للنشاط الاقتصادي و للأحداث السياسية. ففي عهد القائد علي أوحدو أمر محمد بن عبد الرحمــن ببناء سور لمجموع دمنات ، بعد أن كان السور يحيط بالقصبة وحدها ، و ذلك بعد أن استهدف النهاب أسواق دمنات مرات عديدة إثر نوبات الجفاف و المجاعات المتعاقبة على البلاد . وأنفق على بناء السور و أبراجه من أحباس مسجد دمنات ، ودفع فيه أهل أرحبي سبعين مثقالا لكل دار . ويعتبر تجديد السور علامة على دخول دمنـــات في صراع جديد مع القبائل المجاورة، حتى إن منار المسجد الجامع بأرحبي كان إلى عهد القائد علي أوحدو منارا عاليا و كاملا ، فاضطر السكان إلى تحطيمه و الإبقاء على منار قصير لأن السياب استغلوه وضربوا منه الدور التي يطل عليها . أما القصبة فقد ظل سورها قائما يحيط به خندق عميق . و قد تحدث الغجدامي عن بانيها بقوله : " وحفر خندقا من وراء السور المذكور ، وقد أحاط به ، وجعل لها بابا واحدا ، وبنى قنطرة على الخندق يمر عليها الداخل و الخــارج . والخندق المذكور أسفله ضيق و أعلاه واسع على شكل الببور ( السفينة ) ، و جصصه كله . ... وأنا رأيت هذا الخندق أول قدومي لدمنــات تاريخ 1295 عامرا بماء مثل مرجان الزيت لطول مكثه في المحل . والخندق إذ ذاك صالح محيط بسور القصبة ، دائر بها كالحلقة ، فإن حدث به الفساد والتغيير فمن الوقت المذكور الذي نزلت فيه المصيبة العظمى بدمنات و سكانها بموت الحسن الأول " . و بالرغم من كون الراهب شارل دوفوكو قد مر بدمنات ( 1883 - 1884 ) بعيد وباء و مجاعة عظمى ، فقد تركت عنده عمــارتها انطباع ازدهار ورخاء : " إن دمنات محاطة بسور مستطيل الشكل، جذرانه ذات شرفات ، و هي مزودة بمصاطب للرماة ، و مجنبة ببروج ، و الكل في حال جيدة ، لا خرق فيه و لا تحطيم . و تمكن ثلاثة أبواب من الدخول إلى المدينة . أما القصبة فلها سورها على حدة ، و هو محاط بخندق . و هذا الخندق هو الوحيد الذي رأيته في المغرب، فعرضه ما بين 7 و 8 أمتار ، وعمقه من 4 إلى 5 أمتار ، و هو ممتلىء جزئيا بالماء. و في وسط هذه القصبة يقوم المسجد الكبير و دار القائد ، وجدران المدينة كلها مبنية بالطابية . وليس هناك من مبنى مبيض ما عدا سكنى القائد و المنار المجاور لها ، أما الباقي فلونه أسمر داكن ، و ثلثا المساحة المحاطة بالسور في دمنات تغطيها دور في حالة حسنة و إن كانت رديئة البناء ، و أما الثلث الآخر فتشغل جزءا منه بعض المزروعات ، و يشغل السوق جزءا آخر . وليست فيها مساحات خالية و لا خرائب ، و في الجملة فمظهرها مظهر رخاء ". داخل السور المحيط بالمدينة ، إضافة إلى سور القصبة ، بني لاحقا بأمر من الحسن الأول الملاح الجديد ( الملاح حاليا ) وجعل له سور محيط به و أبواب إلى داخل المدينة . فقد طلب أهل دمنات من السلطان محمد بن عبد الرحمــن أن يحول اليهود من الحي الذي كانوا يسكنونه ( الملاح القديم ) بين أرحبي و القصبة ( الفلاح حاليا ) ، بدعوى أن مياه الساقية التي تجلب الماء للمدينة كانت تمر على هذا الحي فتتلوث قبل أن تصل إلى الحمامات و المساجد و الأحياء الأخرى ، و قد أمر السلطان بالتحويل ولم ينفذه القائد علي أوحدو. و لم يرد بعد ذلك ما يشير إلى خلاف بين الطائفتين لمدة عشرين عاما . وعندما زار الحسن الأول دمنات في أبريل 1887 ، اشتكى إليه السكان أضرار اليهود و إفسادهم للماء المار عليهم فعاين شخصيا تلك الأضرار و أمر العامل و أعيان دمنات و جماعة اليهود أن يحضروا لديه عشية ، فحضر الجميع و عرض عليهم أن يبني لهم محلا خاصا بهم يعزل فيه اليهود من المسلمين و يكون أوسع و أصلح من الملاح القديم ، وقبل اليهود ، و كلف مهندسين بأن يختارا محلا معزولا عن المدينة فاختارا محلا يسمى آيت عمر قبله الفريقين و أمر بالشروع بالبناء. و قد تم إتمام بناء الملاح الجديد حوالي 13 يناير 1890 لتبدأ سمسرة دور الملاح القديم و بيعها و كذلك كراء حوانيت الملاح الجديد .

إرسال تعليق

 
انتقل الى اعلى بسرعة